الجمعة، 15 نوفمبر 2013

إشراقة ماضٍ - ابن سينا.



اتضح لنا أن للحضارة الإسلامية علماء أعلام وجهابذة عِظام عزَ تاريخ الإنسانية في القديم والحديث أن يجود بمثلهم ، وهم صور رائعة تعكس سمو الحضارة الإسلامية الإنسانية ، وقد إلتصق اسمهم بها ، فغدا ذكرهم ذكراً لهذه الحضارة وغدت دراسة حياتهم دراسة لها أيضاً .



ومن هؤلاء الأفذاذ الشيخ الرئيس ابن سينا (ت 428هـ/ 1037م) الذي ظل لسبعة قرون متوالية المرجع الرئيسي في علم الطب، كم ظل كتابه (القانون) في الطب العمدة في تعليم هذا الفنِّ حتى أواسط هذا القرن.




اسمه ونشأته :
 أبو علي الحسين بن عبد الله، الملقب بالشيخ الرئيس، والمعروف عند الأوربيين باسم  (Avicenna)، وهو من أعظم علماء المسلمين، ومن ألمع مشاهير العلماء العالميِين،وقد احتلَّ مكانًا بارزاً في الفكر والفلسفة والطب؛ فكان فيلسوفًا، وطبيبًا، ورياضيًّا، وفلكيًّا، بل إنه لم يترك جانبًا من جوانب العلوم النظرية أو التطبيقية إلاَّ وتعرَّض له تعرُّض العالم المتخصِّص المحقِّق؛ حتى كانت له إسهاماته الفعَالة وإبداعاته الفريدة في كل مجالاتِ المعرفة والعلوم.





مولده وتعليمه :
وُلِدَ ابن سينا قرب بخارى "في أوزبكستان حاليًا " عام (370هـ/ 980م) ونشأ نشأة علمية؛ حيث تعهَّده والده بالتعليم والتثقيف منذ طفولته ، فأحضر له الأساتذة والمربِّين حتى شبَّ ابن سينا طفلاً محبًّا للقراءة والعلم والإطلاع الواسع في شتى المعارف والعلوم ، وقد بلغ فيها ما لم يبلغه غيره،كل ذلك وهو دون العشرين سنة.
وبعد العشرين من عمره انصرف ابن سينا إلى التأليف والكتابة والإشتغال بالفلسفة والطب ، حتى إذا ما وصل إلى سن الثانية والعشرين كان أشهر أطباء عصره،وقد أسند إليه منصب رئيس وزراء شمس الدولة
"أمير" ولاية همذان، ثم خدم الأمير علاء الدين في أصفهان، ولم يكن لإشتغاله بتدبير أمور الدولة أي أثر على إنتاجه ودراساته.




ابن سينا.. انجازات سبقت عصرها :
استطاع الشيخ الرئيس ابن سينا أن يُقَدِّم للإنسانية أعظم الخدمات والإكتشافات والإبتكارات التي فاقت عصرها بقياسها إلى إمكانات ذلك العصر، ومدى ما وصلت العلوم فيه آنذاك ،وبالأخصِّ في جانب الطب حيث إنه :

  •   أول من كشف عن طفيلة (الإنكلستوما)، وسماها في كتابه (القانون في الطب) في قسم الديدان المعوية بالدودة المستديرة،ووصفها بالتفصيل لأول مرة، وتحدَّث عن أعراض المرض الذي تُسَبِّبه.
  •  تطرَّق إلى بعض أنواع الديدان الطفيلية التي تعيش بعيدًا عن القناة الهضمية،مثل: ديدان العين التي تُفَضِّل منطقة العين، وديدان الفلاريا المسبِّبَة لداء الفيل ".
  •  أول من وصف الالتهاب السحائي، وأول من فرَّق بين الشلل الناجم عن سبب داخلي في الدماغ والشلل الناتج عن سبب خارجي، ووصف السكتة الدماغية الناتجة عن كثرة الدم ، مخالفًا بذلك ما استقرَّ عليه سلاطين الطب اليوناني القديم.
  •  أوَّل من فرَّق بين المغص المعوي والمغص الكلوي.
  •  صاحب الفضل في علاج القناة الدمعية بإدخال مسبار معقَّم فيها.
  •  أوصى بتغليف الحبوب التي يتعاطاها المريض.
  •  وكشف في دقَّة بالغة عن أعراض حصاة المثانة السريرية، بعد أن أشار إلى اختلافها عن أعراض الحصاة الكُلوية، يقول الدكتور خير الله في كتابه الطب العربي: "ويصعب علينا في هذا العصر أن نُضيف شيئًا جديدًا إلى وصف ابن سينا لأعراض حصى المثانة السريرية".
  •  كان له صيت واسع في مجال الأمراض التناسلية،فوصف بدقَّة بعض أمراض النساء ،مثل: الانسداد المهبلي, والإسقاط، والأورام الليفية، وتحدَّث عن الأمراض التي يمكن أن تُصيب النفساء؛ مثل: النزيف، واحتباس الدم، وما قد يسبِّبه من أورام وحميات حادَّة، وأشار إلى أن تَعَفُّن الرحم قد ينشأ من عسر الولادة أو موت الجنين، وهو ما لم يكن معروفًا من قبلُ.
  •  تعرَّض لتحديد للذكورة والأنوثة في الجنين وعزاها إلى الرجل دون المرأة، وهو الأمر الذي أكَّده مؤخَّرًا العلم الحديث.
  •  كشف لأوَّل مرَّة أيضًا طرق العدوى لبعض الأمراض المعدية كالجدري والحصبة، وذكر أنها تنتقل عن طريق بعض الكائنات الحية الدقيقة في الماء.
  • أظهربراعة كبيرة ومقدرة فائقة في علم الجراحة ،فقد ذكر عدَّة طرق لإيقاف النزيف: سواء بالربط، أو إدخال الفتائل، أو بالكي بالنار، أو بدواء كاوٍ، أو بضغط اللحم فوق العرق.
  •  تحدَّث عن كيفية التعامل مع السِّهام وإستخراجها من الجروح، وحذَّر المعالجين من إصابة الشرايين أو الأعصاب عند إخراج السهام من الجروح.
  • درس الإضطرابات العصبية وتوصَّل إلى بعض الحقائق النفسية والمرضية عن طريق التحليل النفسي، وكان يرى أن العوامل النفسية والعقلية لها تأثير كبير على أعضاء الجسم ووظائفه.








مؤلفاته وأشهر كتبه :

  •  كتاب القانون في الطب
  • كتاب الأدوية القلبية
  • كتاب دفع المضار الكلية عن الأبدان الإنسانية
  • رسالة في تشريح الأعضاء
وقد تُرجمت كتب ابن سينا في الطب إلى اللاتينية وإلى معظم لغات العالم، وظلَّت حوالي ستة قرون المرجع العالمي في الطب، واستُخْدِمَتْ كأساس للتعليم في جامعات فرنسا وإيطاليا جميعًا، وظلَّت تدرس في جامعة مونبلييه حتى أوائل القرن التاسع عشر.


وفاته :
بعد حياة مثمرة حافلة بالعطاء وبعد أن باتت مؤلفاته وإبتكاراته منهجًا يسير عليه الغرب لعديد من القرون في تدريس الطب، وبعد أن ترك بصماته الواضحة على نمو وتقدُّم الفكر والعلم ، توفي ابن سينا في همذان سنة (428هـ/ 1037م) فرحمة الله عليه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق