الجمعة، 31 يناير 2014

اشراقة ماضي - ابن الجزار القيرواني


ابن الجزار القيرواني
 
هو أبو جَعفر أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد القيرواني طَبيبٌ ومؤرِّخ وابنُ طَبيب ومن أشهر أطبَّاء وعُلَماء القَرن الرَّابِع الهجري . قال عنه الذَّهبِي في كتاب سِيَر أَعلام النبلاء "ابنُ الجزَّار الفَيلسوف الباهِر وشَيخ الطبِّ ...".

نشأته وتعليمه : 

وُلدَ ابنُ الجزَّار في القيروان حوالي سنة 284 / 898م في عائلة قد اشتهرت بالطب، كانَ من أهل الحِفظ والتطلُّع والدِّراسة للطبِّ وسائر العلوم، حسنَ الفَهم لها، لم تُعرَف له زَلَّةٌ في مُمارَسة الطبِّ، عَفيفاً نَزيها لا يَتَقاضى على تَطبيبِه أجـراً.

وقـد تَتَلمذَ ابنُ الجزَّار على يدي أبيه وعمِّه، وكانا طَبيبَين حاذقَين، الأوَّل في طبِّ العيون والثَّاني في الجِراحَة؛ كما تتلمذَ على يد طبيبٍ شَهير في عصره هو إسحاق بن سُلَيمان، وهو يَهوديٌّ. قالَ عنه سُلَيمان بن حسَّان، المعروف بابن جُلجُل "إنَّ أحمدَ بن أبِي خالد كان قد أخذَ لنفسِه مَأخذاً عَجيباً في سِمته وهَديه وتَعدُّده، ولم يُحفَظ عنه بالقَيروان زَلَّةٌ قط، ولا أَخلدَ إلى لَذَّة، وكان يَشهد الجنائزَ والعرائس، ولا يأكل فيها؛ ولا يَركب قطُّ إلى أحدٍ من رجال إفريقية ولا إلى سُلطان إلاَّ إلى أبي طالب عمِّ معد، وكان له صَديقاً قَديماً". وترجمَ ابنُ الجزَّار عدداً من كتب الأطبَّاء اليونانيين، مثل كِتاب‏ "المقالات الخمس‏"‏ لديسقوريدس، وكتاب‏ "المقالات الست في الأدوية المفردة" ‏لجالينوس. واطَّلعَ على كتب العَديدِ من عُلَماء العَرب والمُسلِمين في الطبِّ والصيدلة وعلوم الحياة وغيرها.

اتَّصلَ ابنُ الجزَّار بالدَّولة العُبَيدية (الفاطميَّة)، وكثرت أموالُه وحَشمُه؛ وامتدَّت شهرتُه خارحَ القيروان، وقَصَده الدَّارِسون من بقاع عَديدَة. .وقيل: توفي مقتولاً في الأندلس عام (400هـ/ 1010م ) وبقيت كتبُه تُدرَّس في تونس من قِبل الأطبَّاء قرابةَ ستَّة قرون بعدَ وفاته.


حادثة غريبة :
ومن الحوادث العظيمة التي حدثت مع ابن الجزار، والتي كادت أن تودي بحياته في فترة مبكرة من فترات ممارسته لمهنة الطب، ما ذكره المقريزي عن إصابة المنصور -وهو أمير تونس- بمرض عُضال بسبب البرد الشديد والثلوج، التي تعرَّض لها في إحدى أسفاره، فأراد أن يدخل الحمّام وهو في طريق عودته، لكن طبيبه إسحاق بن سليمان الإسرائيلي -أستاذ ابن الجزار- نهاه عن ذلك، فكأن المنصور امتعض من فعل طبيبه ذلك، فقرَّر دخول الحمام؛ ففنيت الحرارة الغريزية منه، ولازمه السهر، فأخذ طبيبه يعالج المرض دون السهر، فاشتدَّ ذلك على المنصور، وقال لبعض خواصِّه: أما في القيروان طبيب غير إسحاق؟ فأُحضر إليه شاب من الأطباء يقال له: أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد بن الجزار، فجمع له أشياء مخدِّرة، وكلَّفه شمَّها، فنام، وخرج وهو مسرور بما فعله، فجاء إسحاق ليدخل على المنصور، فقيل له: إنه نائم. فقال: إن كان صنع له شيء ينام منه فقد مات. فدخلوا عليه فإذا هو ميت، فدفن في قصره. وأرادوا قتل ابن الجزار الذي صنع له المنوِّم، فقام معه إسحاق، وقال: لا ذنب له، إنما داواه بما ذكره الأطباء، غير أنه جهل أصل المرض، وما عرَّفتموه؛ وذلك أنني في معالجته أقصدُ تقويةَ الحرارة الغريزية، وبها يكون النوم، فلمَّا عولج بما ولا ريب أن هذه الحادثة كانت تجربة كبيرة لابن الجزار


ولابنِ الجزَّار العَديدُ من الكُتُب،
مثل:
· كِتاب في عِلاج الأمراض، يُعرَف بزَاد المسافِر وقوت الحاضِر، وهو مُجلَّدان. وقد تُرجِم وطُبِع باللاتينيَّة واليونانيَّة والعبرية مِراراً.

· كِتاب في الأدوية المفردة، ويُعرَف بالاعتِماد.

· كِتاب في الأدوية المركَّبة، ويُعَرف بالبُغيَة.

· كتاب العدَّة لطول المدَّة، وهو أكبر كتاب له في الطبِّ.

· قوت المُقيم، حيث حكى الصَّاحبُ جَمالُ الدِّين القفطي أنَّه رأه بقفط، وهو كتابٌ كبير في الطبِّ بعشرين مجلَّداً.

· كِتاب في المعدة وأمراضها ومداواتها.

· كِتاب طبِّ الفقراء.

· رسالة في إبدال الأدوية.

· كتاب في الفَرق بين العِلل التي تَشتَبه أَسبابُها وتَختلِفُ أَعراضُها.

· رِسالَة في الزُّكام وأسبابه وعلاجه.

· رِسالَة في النَّوم واليقظة.

· سِياسَة الصِّبيان وتَدبيرهم؛ وهو كتابٌ جامِع يبحث في طبِّ الأطفال والعناية يهم وما يعرض لهم من عِلَل وأَسقام في مختلف سنيِّ حياتهم، وفي تدبير هذه الأَمراض وطُرُق معالجتها. وقد اقتبسَ منه الزَّهراوي بعضَ معلوماتِه الطبِّية.

· عَمل العطريَّات المُنتَخَبات.


وكان رحمه الله موسوعيًّا، كتب في أكثر من علم، فإننا نجد من بين مؤلفاته كتبًا في علم التاريخ وعلم النفس، مثل (التعريف بصحيح التاريخ) الذي وصفه الزركلي في الأعلام بأنه "كبير"، ، وكتاب (ذم إخراج الدم)، و(رسالة في النفس)، و(أسباب الوباء بمصر والحيلة في دفعه)، وغير ذلك.


ولعلنا في هذه الإطلالة السريعة قد تعرَّفنا على عالم نجيبٍ، وطبيب ذائع الشهرة من علماء وأطباء الحضارة الإسلامية، الذين كان لهم فضلهم وأثرهم الباقي حتى يومنا هذا في الحضارة الغربية قبل الإسلامية، والتي تَرجمت له العديد من الكتب والمصنفات، وجعلت كُتبه من المراجع الأساسية التي يهتدي إليها السائرون في دروب العلوم الطبية المتنوعة.


المرجع : قصة العلوم الطبية في الحضارة الاسلامية 
د. راغب السرجاني




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق